الأحد، 18 ديسمبر 2016

رجال صدقوا .. بقلم علي الشافعي




رجال صدقوا .. بقلم علي الشافعي
يومٌ مجيد من ايام الله , سطره رجل من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه , في صفحة مشرقة من تاريخ لعبت به ايد خبيثة , فغيبته عن اهله . يومٌ بشر به رسول الله عليه افضل الصلاة والتسليم . انه صبيحة يوم الاربعاء 21 جمادى الأولى 875هـ/ 30 من مايو (ايار)1453م ، يوم وقف السلطان محمد الفاتح في وسط المدينة يحف به جنده وقواده وهم يرددون : ما شاء الله ! قائلا : ايها الجند لقد أصبحتم فاتحي القسطنطينية .
القسطنطينية نعم ــ يا دام مجد اجدادكم ــ القسطنطينية او بيزنطة , التي استعصت جيوش الفتح الاسلامي طوال تسعة قرون . القسطنطينية التي اطلق عليها فاتحها اسم (اسلام بول ) أي عاصمة الاسلام , حتى 1930 في عهد اتاتورك الذي بدّله الى اسطمبول من اسم يوناني قديم "إستانپولين" ثم نقل العاصمة الى انقرة . 
من هو محمد الفاتح ؟ وكيف فتحت اكثر مدينة تحصينا في التاريخ ؟ وقصة السفن التي سارت على اليابسة ؟ سأحدثكم بعد ان تصلوا على خير الانام : 
تقع اسطنبول في شمال غرب إقليم مرمرة في تركيا ، و تُقسم الان إلى قسمين يفصل بينهما مضيق البوسفور ما بين 550م و3000م والقسطنطينية هي الان القسم الاوروبي وكانت عاصمة الدولة البيزنطية ، بينما يقع القسم الشرقي في آسيا 
حاول المسلمون فتح القسطنطينية اكثر من مرة ، حاولوا فتحها للمرة الأولى من عام 674 حتى عام 678م , في زمن خلافة "معاوية بن أبي سفيان" الأموي، ولكن الحصار فشل في تحقيق النتيجة المرجوة منه . وعاودوا حصارها سنة 717م في زمن الخليفة "سليمان بن عبد الملك" ، وقد دام الحصار 12 شهرًا ، لكن الجيش لم يتمكن من دخولها هذه المرة أيضًا ، بسبب مناعة أسوارها .
تبدا حكايتنا ــ دام فضلكم ــ بفتى يافع , يتدفق حيوية ونشاطا اختار له والده امهر المعلمين والمربين , لتهيئته ليكون السلطان السابع من سلاطين بني عثمان . اما الفتى ف (محمد الثاني ) الذي عرف فيما بعد بمحمد الفاتح , وهو ابن السلطان مراد الاول , الذي امضى حياته في مقارعة الفرنجة , وصد هجماتهم على ديار الاسلام , وخاصة في الشمال الافريقي , وذلك بعد سقوط الاندلس . فتربّى الفتى على حب الإسلام ، والعمل بالقرآن والسنة ، واتصف بالتُّقى والورع ، وقد نجح الشيخ "آق شمس الدين "- وكان واحدًا ممن قام على تربيتة وتعليمه – في بث روح الجهاد , والتطلع إلى معالي الأمور في نفس الأمير الصغير ، واخذ يلمح له بأنه قد يكون المقصود ببشارة النبي – صلى الله عليه وسلم- : لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ , وكان لهذا الإيحاء دور كبير في حياة "محمد الفاتح" فنشأ عالي الهمة طموحا ، واسع الثقافة ، محبًّا للجهاد ، على دراية بفنون الحرب والقتال . 
تولى السلطان محمد الفاتح الخلافة العثمانية في (16محرم 855هـ - 18 فبراير عام 1451م)، وعمره (22 سنة) ، ومنذ اليوم الاول لتوليه الحكم وضع نصب عينه ذلك الهدف السامي (فتح القسطنطينية ) , ليفوز بالبشارة . فاخذ يعد العدة لذلك , وهو يعلم المخطر التي سيواجهها جيشه , لذلك بذل جهودًا خارقة في مجال التخطيط لهذا الفتح ، فعمل اولا على دعم الجيش بالقوى البشرية ، حتى وصل تعداده قرابة ربع مليون مجاهد . وهو عدد كبير إذا قُورن بجيوش الدول في تلك الفترة ، كما عنى بتدريبه على فنون القتال المختلفة ، وتجهيزه بمختلف أنواع الأسلحة اللازمة لهذه العملية ، ومن أهمها المدافع ، التي أخذت اهتمامًا خاصًّا منه ؛ حيث أحضر مهندسًا مجريًّا يُدعى (أوربان ) وكان بارعًا في صناعة المدافع ، فأحسن استقباله ، ووفَّر له جميع الإمكانيات , فتمكن هذا المهندس من تصميم وتنفيذ العديد من المدافع الضخمة ، على رأسها المدفع السلطاني المشهور ، الذي لم يُرَ مثله من قبل ، كان يزن (700) طن ، وتزن القذيفة الواحدة (1500) كيلو جرام ، وتُسمع طلقاته من مسافات بعيدة ، ويجره مائة ثور يساعدها مائة من الرجال الأشداء . كما اولى عناية خاصة بالأسطول العثماني ؛ حيث عمل على تقويته ، وتزويده بالسفن المختلفة ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية ، بلغت أكثر من أربعمائة سفينة . كما اعتنى بإعداد الجيش إعدادًا معنويًّا قويًّا ، وغرس روح الجهاد ، وتذكير الجند بثناء الرسول على الجيش الذي يفتح القسطنطينية ، وعسى أن يكونوا هم هذا الجيش المقصود بذلك .
عندما اكتملت الاستعدادات زحف السلطان محمد الفاتح على القسطنطينية فوصلها في (السادس من إبريل سنة 1453م) ، فحاصرها من البر بمائتين وخمسين ألف مقاتل، ومن البحر بأربعمائة وعشرين شراعًا، فوقع الرعب في قلوب أهل المدينة ؛ وبقي الحصار (53 يومًا) ، قام خلالها بتمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية ؛ لكي تكون صالحة لجرِّ المدافع العملاقة ؛ وعندما وصلت الأجناد يقودها الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية ، جمع الجند وخطب فيهم خطبًة قوية حثهم فيها على الجهاد ، وطلب النصر أو الشهادة ، وذكّرهم فيها بالتضحية ، والصدق عند اللقاء ، وقرأ عليهم آيات الحهاد ، كما ذكر لهم الأحاديث النبوية التي تبشِّر بفتح القسطنطينية ، وفضل الجيش الفاتح لها وأميره ، وما في فتحها من عزٍّ للإسلام والمسلمين ، ثم نشر العلماء في بينهم , مما رفع معنوياتهم ، حتى صاروا ينتظرون القتال بفارغ الصبر .
قام السلطان بتوزيع جيشه البريّ أمام الأسوار الخارجية للمدينة ، مشكِّلاً ثلاثة أقسام رئيسية تمكنت من إحكام الحصار البري حول مختلف الجهات ، كما أقام الفاتح جيوشًا احتياطية خلف الجيوش الرئيسية ، وعمل على نصب المدافع أمام الأسوار، ومن أهمها المدفع السلطاني العملاق ، الذي أقيم أمام باب طوب قابي . كما وضع فرقًا للمراقبة في مختلف المواقع المرتفعة والقريبة من المدينة ، وقد انتشرت السفن العثمانية في المياه المحيطة بالمدينة ، إلا أنها في البداية عجزت عن الوصول إلى القرن الذهبي ؛ حيث كانت سلسلة عملاقة تحطم كل سفينة تحاول الاقتراب , لكن الله ألهم الفاتح إلى طريقة يستطيع بها إدخال سفنه إلى القرن الذهبي دون الدخول في قتال مع البحرية البيزنطية , متجاوزًا تلك السلسلة ، تتمثل في جرِّ السفن العثمانية على اليابسة حتى تتجاوز السلسلة التي تغلق المضيق والدفاعات الأخرى، ثم إنزالها مرة أخرى إلى البحر. وقد درس الفاتح وخبراؤه العسكريون هذا الأمر ، وجهزوا ما يحتاجونه من أدوات لتنفيذه ، والطريق البرية التي ستسلكها السفن .
وبعد إكمال المعدات اللازمة أمر الفاتح في مساء يوم 21 إبريل بإشغال البيزنطيين في القرن الذهبي بمحاولات العبور من خلال السلسلة ، فتجمعت القوات البيزنطية منشغلة بذلك عما يجري في الجهة الأخرى ؛ حيث تابع السلطان مدَّ الأخشاب على الطريق الذي كان قد سوِّي ، ثم دهنت تلك الأخشاب بالزيوت ، وجرت السفن من البسفور إلى البرّ؛ حيث سحبت على تلك الأخشاب المدهونة بالزيت مسافة ثلاثة أميال، حتى وصلت إلى نقطة آمنة فأنزلت في القرن الذهبي ، وتمكن العثمانيون في تلك الليلة من سحب أكثر من سبعين سفينة وإنزالها في القرن الذهبي على حين غفلة من العدو ، بطريقٍ لم يُسبَق الفاتح احد اليها في التاريخ كله .
حددت ساعة الصفر بالواحدة صباحًا من يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى 857 هـ/ 29 مايو 1453م بدأ الهجوم العام على المدينة , بعد أن أعطيت إشارة البدء ، فعلت أصوات الجند المسلمين بالتكبير وهم منطلقون نحو الأسوار، بعد التمهيد بقصف الاسوار بالمدافع التي ادت الى انهيار التحصينات , واحداث فجوات في السور , ففزع أهل المدينة وأخذوا يدقون نواقيس الكنائس ، وهربوا إليها ، وكان الهجوم العثماني متزامنًا بريًّا وبحريًّا في وقت واحد , وحسب خطة دقيقة رسمت سابقًا ، طلب كثير من المجاهدين الشهادة وهم يقتحمون الاسوار بكل شجاعة وإقدام فنالها الكثير منهم .
ومع ظهور نور الصباح في يوم الاربعاء 30 مايو 1453م تمكن المهاجمون من ناحية باب أدرنة من اقتحام الأسوار والاستيلاء على بعض الأبراج ، والقضاء على المدافعين فيها ، ورفع الأعلام العثمانية عليها ، وتدفق الجنود العثمانيون نحو المدينة من تلك المنطقة . راي الإمبراطور البيزنطي الأعلام العثمانية ترفرف على الأبراج فنزل يشاركه يرافقه قائده المشهور جستنيان يقاتلان حتى قتلا , ففر المدافعون . وهكذا تمكن المسلمون من الاستيلاء على المدينة .
وبعد أن أتمت القوت العثمانية فتح المدينة دخل السلطان "محمد"- الذي أطلق عليه من هذه اللحظة "محمد الفاتح" – على ظهر جواده في موكب عظيم وخلفه وزراؤه وقادة جيشه وسط هتافات الجنود التي تملأ المكان : "ما شاء الله ، يحيا سلطاننا . ولما توسّط المدينة نزل عن فرسه ، وصلى ركعتين شكراً لله ، ثم توجه إلى أهالي المدينة قائلا : أنا السلطان "محمد" أقول لكم ولجميع الموجودين , وابلغوا عني الغائبين : إنكم في أمان على حياتكم وحرياتكم ومعتقداتكم . ثم قرر اتخاذ "القسطنطينية" عاصمة له ، وأطلق عليها اسم "إسلام بول" آي دار الإسلام .
بعد هذا اتجه إلى استكمال فتوحاته في بلاد "البلقان" ، فتمكن من فتح بلاد "الصرب" و"المورة" و"رومانيا" و"ألبانيا" وبلاد "البوسنة والهرسك" ، ثم تطلعت أنظاره إلى "روما" وأن يجمع فخارًا جديدًا إلى جانب "القسطنطينية" . لكن الاجل هاجمه فجأة وهو يستعد لتحقيق هذا الحلم في (3 من مايو 1481م) ، وابتهجت أوروبا كلها بعد سماعها نبأ الوفاة ، وأمر بابا روم أن تقام صلاة الشكر في الكنائس ابتهاجًا بهذا النبأ . 
وبعد ــ يا سادة ــ رحم الله القائد الفذ محمد الفاتح , بطل يوم من ايام الله على ارضه , وصاحب بشارة رسول الله عليه افضل الصلاة والتسليم , واول من سير السفن على اليابسة . ما رايكم ــ يا دام سعدكم ــ كيف تتوقعون موقفه لو راي ما يجري اليوم على ارض الاسلام , لو راي القدس وقد احتلت , و حلب دمرت , و الموصل استبيحت , و بغداد سحقت , وان بقية الاعراب يتنظرون دورهم . طبتم وطابت اوقاتكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا تنحني ،، قريبا كلمات الشاعره الجزائريه لمياء

لاتنحني ، بروفا ، غناء الفنان السوري فهد الشامي اضخم عمل عربي من اخراج وتسجيل المخرج الجزائري محمد فوزي ،،،، كلمات الشاعره الجزائريه...